أهم الأحداث السيرية التي وقعت في شهر ربيع الآخر

ربيع الآخر، ويسمى ربيع الثاني، هو رابع شهور السنة الهجرية، وفي سبب تسمية الربيعين (الأول والثاني) وردت عدة روايات، يُرجَع إليها في محالها.

وقد شهد ربيع الثاني أحداثا هامة جرت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي ما يلي نذكر أبرز هذه الأحداث:

إتمام الصلاة أربع ركعات

في شهر ربيع الآخر من السنة الأولى للهجرة، تمت الصلاة الرباعية في الحضر أربعا، وكانت الصلاة فرضت ركعتين ركعتين في السفر والحضر، فأُقِرت صلاة السفر، وزيدت ركعتان في صلاة الحضر، كما ثبت عن أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق، رضي الله عنها.

وقد ذكر ذلك الشيخ محمد الحسن ولد أحمدو الخديم، في نظمه "حوادث السنين" ضمن أحداث السنة الأولى للهجرة، حين قال:

في سنة الهجرة الاولى المسجدين

مع المساكن بنى طه وبين

الانصار والمهاجرين أوقعا

الاخاء والصلاة تمت أربعا

بحضر وقبلُ كانت ركعتين

.....................

غزوة بحران:

في شهر ربيع الآخر من السنة الثالثة كانت غزوة بحران، وكان سبب هذه الغزوة، أن النبي صلى الله عليه وسلم وصله خبر يفيد بأن جموعا من قبيلة سليم قد اجتمعت في منطقة بحران، فخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم، وخرج في 300 رجل وأغذوا في السير، لكن سليما تفرقت لما علمت بمسير النبي صلى الله عليه وسلم نحوها.

ثم أقام صلى الله عليه وسلم أياما بتلك المنطقة، فلم يلق أحدا من بني سليم، ثم رجع إلى المدينة بعد أن غاب عنها مدة عشر ليال.

سرية زيد بن حارثة إلى الجموم

وفي ربيع الآخر من سادسة سني الهجرة، حدثت سرية زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى الجموم، وهو موضع غير بعيد من المدينة المنورة، وكانت تسكنه قبيلة بني سليم التي توالي قريشا، وتناصب المسلمين العداء، وقد شاركت في الأحزاب إلى جانب قريش وهوازن وغيرهما، خلال غزوة الخندق.

عداء بني سليم للمسلمين هو ما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزوهم بقرقرة الكدر في السنة الثانية، ثم في بحران في السنة الثالثة ثم يوجه إليهم زيد بن حارثة على رأس سرية في السنة السادسة.

وحاصل سرية زيد إلى الجموم أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه ما يفيد أن جمعا من سليم قد التأم بالجموم، فبعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة رضي الله عنه على رأس سرية.

سار زيد بالسرية حتى وردوا الجموم، حيث أصابوا به سيدة من بني مزينة تسمى حليمة، والتي دلتهم على إحدى محال بني سليم، فأصابوا في تلك المحلة شاء ونعما، وأسروا بعض أهاليها.

فلما رجع زيد رضي الله عنه إلى المدينة وهب النبي صلى الله عليه وسلم للمزنية نفسها وزوجها، فقال بلال بن الحارث وهو ابن عم المرأة:

لعمرك ما أخنى المسول ولا ونت

حليمة حتى راح ركبهما معا

هذا وتعد قبيلة سليم من خير قبائل العرب وأفضلها؛ فقد كفاهم فخرا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم لواءهم يوم الفتح على سائر الألوية، وكونهم ألفوا يوم إذ؛ أي حضر منهم ألف رجل، وكذلك قوله: أنا ابن العواتك من سليم، وهن - أي العواتك- ثلاث جدات له من بني سليم كلهن تدعى عاتكة.

ولأحمد البدوي المجلسي، من نظمه عمود النسب، معرفا بهؤلاء العواتك، ومبينا علاقتهن بالنبي صلى الله عليه وسلم، وعلاقة كل واحدة منهن بالأخرى:

عواتك النبي أم وهب

وأم هاشم وأم الندب

عبد مناف وته الأخيره

عمةُ عمةِ الأولى الصغيره

وهن بالترتيب ذا لذي الرجال

الأوقص بن مرة نجل هلال

ولعل المفخرة العجيبة والطريفة؛ هي ما روي من أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب ذات مرة إلى أهل الأمصار في كل من الكوفة والبصرة ومصر والشام أن ابعثوا إلي من كل بلد أفضله رجلا، فبعث أهل الكوفة عتبة بن فرقد السلمي، وبعث أهل البصرة مجاشع بن مسعود السلمي، وبعث أهل مصر معنا بن يزيد السلمي، وبعث أهل الشام أبا الأعور السلمي، وهكذا فلتكن المفاخر.

سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى بني ثعلبة

وفي شهر ربيع الآخر من سادسة سني الهجرة النبوية، كانت سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى بني ثعلبة، وكانت هذه السرية ردا على قيام بني ثعلبة بقتل 9 من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا مع محمد بن مسلمة في سرية، وقد تقدمت تفاصيل ذلك في أحداث ربيع الأول.

وحاصل هذه السرية أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح في 40 رجلا، لتأديب بني ثعلبة والثأر لأصحاب ابن مسلمة، وصبحت السرية بني ثعلبة، ففروا هاربين في كل اتجاه، وتفرقوا في الجبال، ولم يلق ابن مسلمة منهم إلا رجلا واحدا، وقد أسلم، ثم رجعت السرية بغنائمَ كثيرة دون أن يصيبها أذى.

وقد نظم العالم الجليل غالي ولد المختار فال أحداث هذه السرية باختصار غير مخل، فقال:

ثم أبا عبيدةٍ بعدُ إلى

ثعلبة بأربعين رجلا

صبحهم بغارة شعواء

فنال من نعمهم والشاء

وأعجزوه في الجبال ما عدا

أحدهم فأخذوه واهتدى

سرية علقمة بن مجزز المدلجي إلى الحبشة

و في شهر في شهر ربيع الآخر من السنة الهجرية التاسعة، كانت سرية علقمة بن مُجَزِّز، وذلك أن أخبارا وصلت المدينة تقول إن هناك نشاطا لجمع من الحبشة قرب جدة، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إليهم علقمة بن مجزز، رضي الله عنه، على ثلاثمائة جندي، فهربوا أمام سرية علقمة الذي لم يلق كيدا.

ثم قرر علقمة الرجوع، وأذن لجماعة أن يتعجلوا وأمّر عليهم رجلا من الأنصار، فلما كانوا ببعض الطريق أمرهم أن يضرموا نارا، ففعلوا، ثم أمرهم أن يلقوا بأنفسهم فيها، فيقال إنهم قاموا فحجزوا حتى ظن أنهم واثبون فيها، فقال اجلسوا إنما كنت أضحك معكم، ويقال إنهم قالوا له: ما فررنا إلى رسول الله إلا منها، فلما قدموا المدينة ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "من أمركم بمعصية الله فلا تطيعوه".

ويقال إن علقمة بن مجزز أمّر عليهم عبد الله بن حذافة السهمي، وأنه هو من أمرهم برمي أنفسهم في النار، وكان رضي الله عنه صاحب دعابة، وإلى هذا القول ذهب أحمد البدوي في نظم عمود النسب، فقال:

من صلب عمرو بن هصيص جمح

سهم ومنهم الذي لا يبرح

يداعب الهوز ومن دعابته

حل حزام رحل هادي أمته

وأمره قوما عليهم أمره

نبينا أن يدخلوا مسعره

وسؤله النبي من أبوه

في ملأ وهو إذا معتوه

عند الحصان أمه وذا الفكه

عبد الإله بن حذافة النبه

هذا ما أورده أغلب مراجع السيرة النبوية، من خبر سرية علقمة بن مجزز، رضي الله، وأنها كانت تستهدف أناسا من الحبشة، تم الارتياب في نشاطهم قرب جدة.

ولكن هناك قول بأن سرية علقمة بن مجزز كانت سُيرت إلى قبيلة بني كلاب، وأنها حصل فيها قتال، وهذا ما ذهب إليه العالم السيري الجليل كراي ابن أحمد يوره، رحمه الله تعالى، في نظمه لسرايا الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول كراي:

وعام تسع بعث المشفع

طه الذي له المقام الأرفع

علقمة المنمى إلى مُجزِّز

أكرم به من بطل معزَّز

يدعو إلى الهدى بني كلاب

فما أجابوا دعوة الغلاب

فقاتل الأعداء حتى انهزموا

وعلموا أن الوفاق أحزم

سرية عكاشة بن محصن إلى الغمر

وفي شهر ربيع الآخر من سادس أعوام الهجرة النبوية، كانت سرية عكاشة بن محصن الأسدي إلى الغمر، وهو ماء لبني أسد.

وكانت قبيلة أسد تناصب الإسلام العداء وتدعم أعداءه في حروبهم ضده، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم لتأديبها عكاشة (بضم العين وتشديد الكاف) بن محصن (بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الصاد) كما ضبطه العالم الجليل محمد الامين ولد أبي المعالي في نظمه المعروف ب"السُّلَيّل" ذاكرا إحدى المعجزات الحاصلة يم بدر فقال:

عكاشة بضم عينه وشد

ثانيه حائز العلوم والرشد

سليل محصن بوزن منبر

أعطاه جذلا خيرُ آل مضر

في يوم بدر ثم هزه فعاد

سيفا من الطوال والبيض الشداد

خرج عكاشة بن محصن الأسدي، رضي الله عنه، على رأس السرية التي تتألف من 40 رجلا من الصحابة، ثم أغذوا السير نحو الغمر حيث يقيم بنو أسد، الذين فروا عندما أحسوا بقدوم السرية في طلبهم، واحتموا بأعالي بلادهم، ووجد الصحابة ربع بني أسد يبابا، وقد لقوا رجلا منهم وأمنوه فدلهم على 200 بعير لقومه، فاستاقوها راجعين إلى المدينة بدون أن يلقوا قتالا.

وقد أورد العالم الجليل كراي ولد أحمد يوره تفاصيل هذه السرية في نظم السرايا، ملمحا إلى رواية تفيد بوقوع هذه السرية في شهر ربيع الأول يقول كراي:

ودونكم سرية لم تُصَن

يقودها عكاشة بن محصن

والأسدي ذا هو المبشر

بعدم الحساب يوم يحشر

في أربعين رجلا كراما

كلهمُ قد حقق المراما

سنة ست في ربيع الآخر

أو هي في الأول ذي المفاخر

ييممون الغمر ماء لأسد

فهربوا لما أحسوا بالأسد

وانتصروا في ذلك المسير

ورجعوا بمائتي بعير

سرية علي بن أبي طالب لهدم صنم طيء

وفي شهر ربيع الثاني من السنة التاسعة للهجرة، بعث الرسول صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، يقود مائة وخمسين رجلا، إلى طيء لهدم صنمهم (الفلس) وهو من الأصنام المشهورة في تلك المنطقة، وسار علي وأصحابه حتى وصلوا بلاد طيء فهاجموهم فجرا وتمكنوا من هدم الصنم، ورجعوا بغنائم وسبي.

أما قائد طيء، فهو عدي ابن الجواد المشهور حاتم بن عبد الله الطائي، وقد كان أمر - لما علم بانتصارات محمد صلى الله عليه وسلم، وانتشار الإسلام - بأن تحبس مراكب قريبة منه، حتى يتمكن من الفرار، إن أصبح مرغما على طاعة محمد صلى الله عليه وسلم، فلما أقبلت سرية علي رضي الله عنه، فر عدي إلى الشام، حيث تسود النصرانية التي يدين بها، واصطحب معه أهله، فلما وصلت السرية المدينة وقفت سفانة بنت حاتم - وكانت من ضمن السبي - بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت: يا محمد إن رايت أن تخلي عني ولا تشمت بي قومي فإن أبي كان يحمي الذمار ويفك العاني ويشبع الجائع ويطعم الطعام ويفشي السلام ولم يرد طالب حاجة قط، أنا ابنة حاتم الطائي، فقال صلى الله عليه وسلم: يا جارية هذه صفة المؤمنين حقا، لو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه، ثم أمرهم بأن يخلوا عنها، وكساها وأعطاها مركبا، ونفقة تكفي مؤنة السفر.

وفي نظمه تبصرة المحتاج إلى بعوث صاحب المعراج؛ عقد العالم السيري غالي ولد المختار فال منثور هذه الأحداث بقوله:

ثم الأصيلع السميذع العلي

حيدرة باب المدينة علي

لطيء وهدّ فلسهم وفر

منه عديٌ بن حاتم بن حاتم الأبر

للشام كي يبعد من خير معد

وكان قبلُ لفراره استعد

فجاء بالثلاثة الثمان

المخذم الرسوب واليماني

وجاء بالسبي وكانت فيه

أخت عدي ذي الندى الوجيه

سفانة فآمنت بالمصطفى

واستعطفت خير الورى فعطفا

وخصها بالعرف عن سواها

حملها زوّدها كساها

ثم خرجت سفانة بنت حاتم متجهة نحو أخيها عدي، حتى قدمت عليه بالشام، ونصحته بأن يتوجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قائلة: ائت هذا الرجل فإني رأيته يحب الفقير ويفك الأسير ويرحم الصغير ويعرف قدر الكبير وما رأيت أجود ولا أكرم منه فإن يكن نبيا فللسابق فضله وإن يكن ملكا فلن تزال في عز اليمن.

ثم خرج عدي من حينه نحو المدينة حتى وقف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدار بينهما ما ساقه لنا العالم الجليل كراي ولد أحمد يوره في قوله:

وإذ أتى دعاه للإسلام

من أيقظ الأنام من منام

فقال إنني على دين فرد

عليه من يرد قول من شرد

إنا بذاك الدين منك أعلم

قال عدي منكرا يستفهم

أأنت أعلم بديني مني

قال نعم من اصطفى ذو المن

أنت رَكوسي وبالمرباع

تسير في أولئك الأتباع

وذاك في دينك لا يجوز

فكان للخافي هنا بروز

دين الركوسية في النصارى

والصابئين انحصر انحصارا

والصابئون من لدين نوحي

أبي الورى كانوا ذوي جنوح

صلى عليه الله مع إخوانه

وكل من دخل في ديوانه

وبعد ذا أسلم نجل حاتم

على يدي طه الرسول الخاتم

17 October 2023